الثالث: أنها نصب على الحال من جناح؛ ثم كأنه قال له سبحانه ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها (و) لكن (قل رب ارحمهما) أي وادع الله لهما ولو خمس مرات في اليوم والليلة أن يرحمهما برحمته الباقية الدائمة وأراد به إذا كانا مسلمين (كما ربياني صغيراً) أي رحمة مثل تربيتهما لي قدره الحوفي أومثل رحمتهما اليّ، قدره أبو البقاء وقيل ليس المراد رحمة مثل الرحمة بل الكاف لاقترانهما في الوجود أي فلتقع هذه كما وقعت تلك والتربية التنمية.
ويجوز أن تكون الكاف للتعليل أي لأجل تربيتهما لي كقوله (واذكروه كما هداكم) ولقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعر لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته ثم شفعه بالإحسان إليهما ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من التضجر مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يصبر الإنسان معها وأن يذل ويخضع لهما، ثم ختمها بالأمر بالدعاء لهما والترحم عليهما، وهذه خمسة أشياء كلف الإنسان بها في حق الوالدين، وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما وهي معروفة في كتب الحديث.
(ربكم أعلم بما في نفوسكم) أي بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كل الطاعات ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم أو الإصرار عليه ويتدرج تحت هذا العموم ما في النفس من البر والعقوق اندراجاً أولياً، وقيل أن الآية خاصة بما يجب للوالدين من البر ويحرم على الأولاد من العقوق، والأول أولى اعتباراً بعموم اللفظ فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيده.
(إن تكونوا صالحين) أي أبرار مطيعين قاصدين الصلاح والبر والتوبة من الذنب والإخلاص للطاعة (فإنه كان للأوابين) أي الرجاعين عن الذنوب إلى التوبة ومن السيئات إلى الحسنات ومن العقوق إلى البر ومن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص (غفوراً) لما فرط منكم من قول أو فعل أو اعتقاد فلا يضركم ما