وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٣٠) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)
(وإما تعرضن عنهم) أي إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل لأمر اضطرك إلى ذلك الإعراض (ابتغاء رحمة) أي لفقد رزق (من ربك) ولكنه أقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق، لأن فقد الرزق مبتغ له (ترجوها) أي ترجو أن يفتح الله به عليك (فقل لهم قولاً ميسوراً) أي قولاً سهلاً ليناً كالوعد الجميل أو الاعتذار المقبول قيل هو أن يقول رزقنا الله وإياكم من فضله. قال الكسائي: يسرت له القول أي ليَّنته وقال الفراء: معنى الآية إن تعرض عن السائل إضاقة وإعساراً فعدهم عدة حسنة، ويجوز أن يكون المعنى وإن تعرض عنهم ولم تنفعهم لعدم استطاعتك فقل لهم قولاً ميسوراً، وليس المراد هنا الإعراض بالوجه، وفي هذه الآية تأديب من الله سبحانه لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبما يردون، ولقد أحسن من قال:

أن لا يكن ورق يوماً أجود بها للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوال وإما حسن مردود
ولما ذكر الله سبحانه أدب المنع بعد النهي عن التبذير بيَّن أدب الإنفاق فقال
(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) هذا النهي يتناول كل مكلف سواء كان الخطاب للنبي ﷺ تعرضاً لأمته وتعليماً لهم، أو الخطاب لكل من يصلح له من المكلفين، والمراد النهي للإنسان بأن يمسك إمساكاً يصير به مضيقاً على نفسه وعلى أهله، ولا يوسع في الإنفاق توسيعاً لا حاجة إليه


الصفحة التالية
Icon