(وأوفوا بالعهد) قد تقدم الكلام فيه في غير موضع، قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد فيدخل في ذلك ما بين العبد وربه وما بين العباد بعضهم لبعض والوفاء بالعهد هو القيام بحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي إلا إذا دلّ دليل خاص على جواز النقض.
(إن العهد كان مسؤولاً) عنه فالمسؤول هنا هو صاحبه، وقيل أن العهد يُسأل تبكيتاً لناقضه فيقال فيهم نقض كالموؤودة تُسأل فيم قتلت وإن كان سؤال العهد تخييلاً وتمثيلاً وسؤال الموؤودة تحقيقاً، قال سعيد بن جبير: أن الله يسأل ناقض العهد عن عهده، وعن ابن جريج قال: يسأل عهده من أعطاه إياه.
(وأوفوا الكيل) أي أتموه ولا تخسروه خطاب للبائعين (إذا كلتم) أي وقت كيلكم للناس، وأخذ من هذا بعضهم أن أجرة الكيال على البائع لأنها من تمام التسليم وكذلك عليه أجرة النقاد للثمن وهو كذلك كما هو مقرر في الفروع.
(وزنوا بالقسطاس المستقيم) قال الزجاج: هو ميزان العدل، أي ميزان كان صغيراً أو كبيراً من موازين الدراهم وغيرها، وفيه لغتان: ضم القاف وكسرها وقيل هو القبان المسمى بالقرسطون، قاله الضحاك، وقيل هو العدل نفسه، قاله مجاهد وهي لغة الروم قاله ابن جبير، وقيل لغة سريانية ثم عُربت.
ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربياً، والأصح أنه عربي مأخوذ من القسط وهو العدل والتفاوت الحاصل بسبب نقصان الكيل والوزن قليل والوعيد الحاصل عليه شديد عظيم فوجب الاحتراز عنه، وإنما عظم الوعيد فيه لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء فالشارع بالغ في المنع من التطفيف والنقصان سعياً في إبقاء الأموال على أربابها.