(ولن تبلغ الجبال طولاً) أي ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جثتك حاملاً لك على الكبر والاختيال فلا قوة لك حتى تخرق الأرض بالمشي عليها. ولا عظم في بدنك حتى تطاول الجبال وتساويها بكبرك، فما الحامل لك على ما أنت فيه وأنت أحقر وأصغر من كل واحد من الجمادين، فكيف يليق بك الكبر.
(كل ذلك) أي جميع ما تقدم ذكره من الأوامر والنواهي الخمس والعشرين أو ما نهى عنه فقط من قوله. ولا تقف ولا تمش (كان سيئه عند ربك) على إضافة سيئ إلى الضمير، ويؤيد هذه القراءة قوله: (مكروهاً) فإن السبي هو المكروه ويؤيدها أيضاً قراءة أبيّ كان سيئاته.
وقرأ نافع وغيره سيئة على أنها واحدة السيئات وانتصابها على خبرية كان ومكروهاً خبر ثان لكان أو بدل من سيئه، ورجح أبو علي الفارسي البدل، وقد قيل في توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى، قال الزجاج والإضافة أحسن لأن ما تقدم من الآيات فيها سيئ وحسن فسيئه المكروه ويقوي ذلك التذكير في المكروه.
ومن قرأ بالتنوين جعل (كل ذلك) إحاطة بالنهى عنه دون الحسن، والمعنى كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروهاً، والمكروه على هذا بدل من السيئة وليس بنعت، والمراد بالمكروه عند الله هو الذي يبغضه ولا يرضاه لا أنه غير مراد مطلقاً لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه.
وذكر مطلق الكراهة مع أن في الأشياء المتقدمة ما هو من الكبائر إشعاراً بأن مجرد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك.
والحاصل أن في الخصال المتقدمة ما هو حسن وهو المأمور به، وما هو مكروه وهو المنهيّ عنه، فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة بقوله (كل ذلك) إلى جميع الخصال، حسنها ومكروهها، ثم الإخبار بأن ما هو سيئ من هذه


الصفحة التالية
Icon