أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨)
ثم ضرب سبحانه مثلاً آخر للحق وذويه وللباطل ومنتحليه، فقال
(أنزل من السماء ماء) مطراً يعني من جهتها والتنكير للتكثير أو للنوعية (فسالت أودية) جمع واد وهو كل منفرج بين جبلين أو نحوهما يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه وتنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع وإذا نزل لا يعم جميع الأرض ولا يسيل في كل الأودية بل ينزل في أرض دون أرض ويسيل في واد دون واد.
قال أبو علي الفارسي: لا نعلم فاعلاً جمع على أفعلة إلا هذا، وكأنه حمل على فعيل مثل جريب وأجربة كما أن فعيلاً حمل على فاعل فجمع على أفعال مثل يتيم وأيتام وشريف وأشراف كأصحاب وأنصار في صاحب وناصر.
قال وفي قوله أودية توسع أي سال ماؤها قال ومعنى (بقدرها)
بقدر مائها لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها، قال الواحدي: والقدر مبلغ الشيء والمعنى بقدرها من الماء فإن صغر الوادي قل الماء وإن اتسع كثر، قال ابن عباس: الصغير قدر صغره، والكبير قدر كبره، ونحوه قال ابن جريج وقال في الكشاف بمقدارها الذي يعرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار، وقيل بمقدار ملئها أي ما يملؤها كل واحد بحسبه صغراً وكبراً، والباء للملابسة.
قال ابن الأنباري: شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر