(فمن أوتي كتابه بيمينه) من أولئك المدعوين وهم السعداء أولو البصائر وتخصيص اليمين بالذكر للتشريف والتبشير (فأولئك) إشارة إلى من باعتبار معناه. قيل وجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد (يقرأون كتابهم) الذي أوتوه (ولا يظلمون فتيلاً) أي لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل وهو القشرة التي في شق النواة أو هو عبارة عن أقل شيء، وفي النواة أمور ثلاثة: فتيل وهو الخيط الذي في الحز الكائن فيها طولاً، والقطمير وهو قشرة النواة، والنقير وهو الخيط الذي في النقرة التي في ظهرها.
ولم يذكر أصحاب الشمالي تصريحاً ولكنه ذكر سبحانه ما يدل على حالهم القبيح فقال
(ومن كان) من المدعوين (في هذه) الدنيا (أعمى) أي فاقد البصيرة وهو الذي يعطي كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له، ولعل العدول عن ذكره بذلك العنوان مع أنه الذي يستدعيه حسن المقابلة حسبما هو الواقع في سورة الحاقة وسورة الانشقاق للإيذان بالعلة الموجبة له كما في قوله تعالى (وأما إن كان من المكذبين الضالين) الخ بعد قوله (وأما إن كان من أصحاب اليمين) وللرمز إلى علة حال الفريق الأول، وقد ذكر في أحد الجانبين المسبب وفي الآخر السبب، ودل بالمذكور في كل منهما على المتروك في الآخر تعويلاً على شهادة العقل كما في قوله (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله) ذكره أبو السعود. قال النيسابوري: لا خلاف أن المراد بهذا العمى، عمى القلب لا عمى البصر.
وأما قوله (فهو في الآخرة) التي لم تعاين ولم تر (أعمى) فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله (ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً) وفي هذه زيادة العقوبة، ويحتمل أن يراد عمى القلب، وقيل المراد بالآخرة عمل الآخرة فهو في عمل الآخرة أو في أمرها