عداهم من المضرة عليهم فقال (ولا يزيد) القرآن كله أو كل بعض منه
(الظالمين) الذين وضعوا التكذيب موضع التصديق والشك والارتياب موضع
اليقين والاطمئنان (إلا خساراً) أي هلاكاً لأن سماع القرآن يغيظهم ويحنقهم
ويدعوهم إلى زيادة ارتكاب القبائح تمرداً وعناداً، فعند ذلك يهلكون، وقيل
الخسار النقص كقوله (فزادتهم رجساً إلى رجسهم) قال قتادة: لم يجالس القرآن
أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان.
ثم نبه سبحانه على قبح بعض ما جبل عليه الإنسان من الطبائع المذمومة فقال
(وإذا أنعمنا على) جنس (الإنسان) بالنعم التي توجب الشكر كالصحة والسعة والغنى والفراغ (أعرض) عن الشكر لله والذكر له (ونأى بجانبه) أي ثنى عطفه متبختراً والنأي البعد والباء للتعدية أو للمصاحبة وهو تأكيد للإعراض لأن الإعراض عن الشيء هو أن يوليه عرض وجهه أي ناحية والنأي بالجانب أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره.
ولا يبعد أن يراد بالإعراض هنا الإعراض عن الدعاء والابتهال الذي كان يفعله عند نزول البلوى والمحنة به ويراد بالنأي بجانبه التكبر والبعد بنفسه عن القيام بحقوق النعم وقرئ ناء مثل باع على القلب قال مجاهد نأى تباعد.
(وإذا مسه الشر) من شدة أو مرض أو فقر أو نازلة من النوازل (كان يؤوساً) شديد اليأس قنوطاً من رحمة الله، هذا وصف للجنس باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذه الصفة، والمعنى أنه إن فاز بالمطلوب الدنيوي وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شيء من ذلك وتأخرت الإجابة استولى عليه الأسف وغلب عليه القنوط ويئس وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة.
ولا ينافي ما في هذه الآية قوله تعالى (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) ونظائره فإن ذلك شأن بعض آخر منهم غير البعض المذكور في هذه الآية، ولا يبعد


الصفحة التالية
Icon