موسى لا يقول علمت أنا وهو الداعي. وروي نحو هذا عن الزجاج، ووجه الثانية أن فرعون لم يعلم ذلك وإنما علمه موسى.
(إلا رب السماوات والأرض بصائر) أي بيِّنات يبصر بها ودلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته (وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً) الظن هنا بمعنى اليقين والثبور الهلاك والخسران أي مخسوراً؛ وقيل مسحوراً وقيل مطبوعاً على الشر وقيل المثبور الملعون؛ وقيل ناقص العقل، وقيل هو الممنوع المصروف من الخير يقال ما ثبرك عن كذا أي ما منعك منه. حكاه أهل اللغة.
(فأراد) فرعون (أن يستفزهم من الأرض) أي يخرج بني إسرائيل وموسى ويزعجهم من أرض مصر بإبعادهم عنها. وقيل أراد أن يقتلهم ويستأصلهم وعلى هذا يراد بالأرض مطلق الأرض، وفي القاموس فز عنى، عدل، وفز فلاناً عن موضعه أزعجه واستفزه استخفه وأخرجه من داره وأفززته أفزعته (فأغرقناه ومن معه جميعاً) أي فعكسنا عليه فكره فوقع عليه وعليهم الهلاك بالغرق ولم يبق منهم أحد ونجى موسى وقومه.
(وقلنا من بعده) أي من بعد إغراقه ومن معه جميعاً (لبني إسرائيل اسكنوا الأرض) أي أرض الشام ومصر التي أراد أن يستفزهم منها (فإذا جاء وعد) الدار (الآخرة) هي القيامة أو الكرّة الآخرة أو الساعة الآخرة وهي النفخة الثانية الموعود بها، وقيل أراد بوعد الآخرة نزول عيسى من السماء (جئنا بكم لفيفاً) أي جميعاً إلى موقف القيامة.
قال الجوهري: اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى، يقال جاء القوم بلفهم ولفيفهم، أي بأخلاطهم، فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع قد اختلط المؤمن بالكافر والسعيد بالشقي، قال الأصمعي: اللفيف جمع وليس له واحد وهو مثل الجمع.