(لا معقب لحكمه) أي لا راد لقضائه، والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يقفيه بالرد والإبطال. قال الفراء: معناه لا راد لحكمه.
قال: والمعقب الذي يتبع الشيء فيستدركه ولا يستدرك أحد عليه، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يتعقب غريمه بالطلب، يعني أنه حكم للإسلام بالإقبال وعلى الكفر بالإدبار، وذلك كائن لا يمكن تغييره، ومحل (لا) مع المنفي النصب على الحال، أي يحكم نافذاً حكمه خالياً من الدافع والمعارض والمنازع لا يتعقب أحد حكمه سبحانه بنقض ولا تغيير. قال ابن زيد: ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده.
(وهو سريع الحساب) أي الانتقام فيحاسبهم بعد زمن قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل وأخرجهم من ديارهم في الدنيا فلا تستبطئ عقابهم فإنه آت لا محالة وكل آت قريب، وقد تقدم الكلام في معناه قبل هذا، والمعنى فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته على السرعة.
(وقد مكر الذين من قبلهم) أي قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل فكادوهم وكفروا بهم، والمكر إيصال المكروه إلى الإنسان الممكور به من حيث لا يشعر، مثل مكر نمرود بإبراهيم وفرعون بموسى ويهود بعيسى؛ وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ﷺ حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم ولا تأثير له وأن المكر كله لله لا اعتداد بمكر غيره فقال (فَلِلَّه المكر جميعاً) يعني عند الله جزاء مكرهم وفيه تسلية للنبي ﷺ وأمان له من مكرهم. وقال الواحدي: يعني جميع مكر الماكرين له ومنه أي هو من خلقه وإرادته، فالمكر جميعاً مخلوق له بيده الخير والشر وإليه النفع والضر، والمعنى أن المكر لا يضر إلا بإذنه وإرادته فإثباته لهم باعتبار الكسب ونفيه عنهم باعتبار الخلق.


الصفحة التالية
Icon