من العذاب الشديد الذي صاروا فيه قائلين يا ويلاه.
ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله
(الذين يستحبون الحياة الدنيا) أي يؤثرونها لمحبتهم لها (على الآخرة) الدائمة والنعيم الأبدي.
(ويصدون) أي يصرفون الناس (عن سبيل الله) أي عن دينه الذي شرعه لعباده (ويبغونها) أي السبيل (عوجا) أي يطلبون لها زيغاً وميلاً وعدولاً وانحرافاً عن الحق لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم، وقيل الهاء راجعة إلى الدنيا أي يطلبونها على سبيل الميل عن الحق، والميل إلى الحرام والعوج بكسر العين في المعاني وبفتحها في الأعيان وقد سبق تحقيقه، واجتماع هذه الخصال نهاية الضلال، ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال:
(أولئك) يعني من هذه صفته (في ضلال بعيد) عن طريق الحق، أي بالغ في ذلك غاية الغايات القاصية أو ذي بعد أو فيه بعد لأن الضال قد يضل ويبعد عن الطريق مكاناً قريباً وقد يضل بعيداً، والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال به مجازاً لقصد المبالغة كجد جدّه وداهية دهياء.
ثم لما منّ على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال:
(وما أرسلنا من رسول إلا) متلبساً (بلسان قومه) متكلماً بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم ويدعوهم إليه وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهراً طويلاً ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة، ولهذا علّل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله:


الصفحة التالية
Icon