جعله) أي جعل ذلك المنفوخ فيه وهو الزبر (ناراً) أي كالنار في حرها وإسناد الجعل إلى ذي القرنين مجاز لكونه الآمر بالنفخ قيل: كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى يحمى، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار ثم يؤتى بالنحاس المذاب فيفرغه على تلك الطاقة وهو معنى قوله:
(قال آتوني أفرغ عليه قطراً) قال أهل اللغة هو النحاس الذائب وبه قال ابن عباس: والإفراغ الصب وكذا قال أكثر المفسرين، وقالت طائفة: القطر الحديد المذاب، وقالت طائفة أخرى منهم ابن الأنباري: هو الرصاص المذاب فدخل القطر بين زُبَره فصار شيئاً واحداً قيل: وهذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزُّبْرَة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه.
(فما اسطاعوا) أصلها فما استطاعوا، قال ابن السكيت: يقال ما أستطيع وما أستطيع وما أستيع وبالتخفيف قرأ الجمهور وقرأ حمزة وحده فما اسطاعوا بتشديد الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه.
قال أبو علي الفارسي: هي غير جائزة وقرئ على الأصل (أن يظهروه) أي يعلوه قاله ابن جريج، وقال قتادة: أن يرتقوه فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا على ذلك الردم لارتفاعه وملاسته فكان ارتفاعه مائتي ذراع ولملاسته لا يثبت عليه قدم ولا غيره.
(وما استطاعوا له نقباً) يقال نقبت الحائط إذا خرقت فيه خرقاً فخلص ما وراءه، قال الزجاج: ما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدته وصلابته وسمكه وثخنه أي عرضه قيل: أن عرضه خمسون ذراعاً وطوله فرسخ وسعة الفتحة التي بين الجبلين مائة فرسخ.


الصفحة التالية
Icon