وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
(وبراً) فعل بمعنى فاعل أي باراً (بوالديه) والمعنى لطيفاً بهما محسناً إليهما، لأنه لا عبادة بعد تعظيم الله أعظم من برهما يدل عليه قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً).
(ولم يكن جباراً عصياً) أي لم يكن متكبراً يقتل، ويضرب على الغضب، ولا عاصياً لوالديه، أو لربه، وهذا وصف له عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح، والمراد أصل الفعل، فالمنفي أصل الجبر، والعصيان، لا المبالغة فيهما
(وسلام) منا (عليه).
قال ابن جرير وغيره: معناه أمان عليه من الله، قال ابن عطية: والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته. وإنما الشرف في أن سلم الله عليه. وقال سلام هنا منكراً، وفي قصة عيسى (والسلام) معرفاً لأن الأول من الله، والقليل منه كثير، والثاني من عيسى.
ومعنى (يوم ولد) أنه أمن من الشيطان وغيره في ذلك اليوم، وسلم من أن يناله الشيطان كما ينال سائر بني آدم، أو أن الله حياه في ذلك اليوم (ويوم يموت ويوم يبعث حياً) قيل أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن: يوم ولد لأنه خرج مما كان فيه، ويوم يموت لأنه يرى قوماً لم يكن قد عرفهم وأحكاماً ليس لديها عهد، ويوم يبعث لأنه يرى هول يوم القيامة، فخص الله سبحانه يحيى بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة.


الصفحة التالية
Icon