وقيل هو روح عيسى لأن الله سبحانه خلق الأرواح قبل الأجساد. والأول أولى لقوله (فتمثل) أي جبريل عليه السلام (لها) بعد لبسها ثيابها (بشراً سوياً) تاماً مستوي الخلق لم يفقد من نعوت بني آدم شيئاً.
وقال البيضاوي: ولعله أي التمثل ليهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها، إهـ قال في الخميس في أحوال أنفس نفيس: فيه نظر، انتهى، ولم يبين أحد هذا النظر الصحيح لا هو ولا غيره من المفسرين فيما تصفحت إلا أبا السعود حيث قال: هو مع مخالفته لمقام بيان آثار القدرة الخارقة للعادة يكذبه قوله تعالى:
(قالت إني أعوذ بالرحمن منك) فإنه شاهد عدل بأنه لم يخطر ببالها شائبة مثل ما إليه فضلاً عما ذكر من الحالة المرتبة على أقصى مراتب الميل والشهوة.
نعم كان تمثله على ذلك الحسن الفائق والجمال الرائق لابتلائها وسبر عفتها، ولقد ظهر منها من الورع والعفاف ما لا غاية وراءه، وذكره تعالى بعنوان الرحمانية للمبالغة في العياذ به تعالى واستجلاب آثار الرحمة الخاصة التي هي العصمة مما دهمها إهـ.
وقد تكلموا في كيفية تمثله، فقال إمام الحرمين: يفني الله الزائد من خلقه أو يزيله عنه ثم يعيده إليه، يعني أن له أجزاء أصلية كما في الإنسان وأجزاء زائدة، وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء وقال ابن حجر: إن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى بل يخفيه الله تعالى عن الرأي فقط قاله الكرخي.
وقيل إنما ظهر لها في سورة البشر لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه فتفهم كلامه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه، وأنها لا تطيق أن تنظر إلى الملك وهو على صورته، فلما رأته في صورة إنسان حسن كامل الخلق قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء فاستعاذت بالله منه.
و (قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً) أي ممن يتقي الله


الصفحة التالية
Icon