ويخافه، ويعامل بمقتضى التقوى والإيمان، وخصت الرحمن بالذكر ليرحم ضعفها وعجزها عن دفعه. وقيل أن تقياً اسم رجل صالح فتعوذت منه تعجباً. وقيل إنه اسم رجل فاجر معروف في ذلك الوقت، والأول أولى.
وتعوذها من تلك الصورة الحسنة دل على كمال عفتها وغاية ورعها، وجواب الشرط محذوف، أي فلا تتعرض لي واتركني وانئه عني، أو فتنتهي عني لتعوذي، وهذه الجملة كقول القائل: أن كنت مؤمناً فلا تظلمني.
(قال) جبريل (إنما أنا رسول ربك) الذي استعذت به، ولست ممن يتوقع منه ما خطر على بالك من إرادة السوء؛ وإنما جئت (لأهب لك) جعل الهبة من قبله لكونه سبباً فيها، من جهة كون الإعلام لها من جهته أو من جهة كون النفخ الذي قام به في الظاهر، ويقويه ما في بعض المصاحف أمرني أن أهب لك، وقرئ ليَهَبَ على معنى أرسلني الله، ليهب لك (غلاماً زكياً) هو الطاهر من الذنوب، الذي ينمو على النزاهة والعفة. وقيل المراد بالزكي النبي.
(قالت أنّى يكون لي غلام) والحال أنني (لم يمسسني) أي لم يقربني (بشر) زوج بنكاح (ولم أك بغياً) أي فاجرة، فجعلت المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه، والزنا ليس كذلك، وإنما يقال فيه: فجر بها وحنث بها. وما أشبه ذلك.
والبغيّ هي الزانية التي تبغي الرجال. قال المبرد: أصله بغوي على فعول. وقال ابن جني: إنه فعيل. وقال ابن الأنباري: أن بغياً غالب في النساء إجراء له مجرى حائض وعاقر. وقلما تقول العرب رجل بغي، وزيادة ذكر ذلك يتناول الحلال والحرام لقصد التأكيد تنزيهاً لجانبها من الفحشاء، يعني أن الولد لا يكون إلا من نكاح أو سفاح ولم يكن هنا واحد منهما. قيل وما استبعدت من قدرة الله شيئاً، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد، هل من قبل زوج نتزوجه في المستقبل؟ أم يخلقه الله سبحانه ابتداء.


الصفحة التالية
Icon