حملت الذي خاطبها دخل في فيها، قيل أن وضعها كان متصلاً بهذا الحمل من غير مضي مدة للحمل، ويدل على ذلك قوله.
(فانتبذت به مكاناً قصياً) أي تنحت بالحمل مصاحبة له واعتزلت إلى مكان بعيد من أهلها مخافة اللائمة؛ قيل كان هذا المكان وراء الجبل، وقيل أبعد مكان في تلك الدار؛ وقيل أقصى الوادي، وهو وادي بيت لحم، وقيل إنها حملت به ستة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وذلك آية أخرى، لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر، وقيل سبعة أشهر وقيل تسعة أشهر كحمل النساء، وقيل كان الحمل والولادة في ساعة واحدة وقيل حملته في ساعة وَصُوِّر في ساعة، ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومه، وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى.
قلت: وهذا التفصيل لا دليل عليه ولا مستند له إلا أخبار الأخبار أو آراء الرجال، ولو صح من نص صحيح لوجب المصير إليه وكان آية أخرى.
(فأجاءها) يقال جاء وأجاء لغتان بمعنى واحد، أي ألجأها واضطرها وجاء بها. وقرأ شبل فَاجَأَهَا من المفاجأة، وفي مصحف أبيّ (فلما أجاءها). قال في الكشاف: أن أجاءها منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، وفيه بعد، والظاهر أن كل واحد من الفعلين موضوع بوضع مستقل (المخاض) أو وجع الولادة وهو مصدر مخضت المرأة تمخض مخضاً ومخاضاً، إذا دنا ولادها قرأ الجمهور بفتح الميم وقرئ بكسرها.
(إلى جذع النخلة) الجذع ساق النخلة اليابسة التي لا رأس لها، كأنها طلبت شيئاً تستند أليه وتعتمد عليه وتتعلق به كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق بشيء مما تجده عندها، والتعريف إما للجنس أو للعهد، والمستفيض المشهور أن ولادة عيسى كانت ببيت لحم، وأنها لما هربت وخافت عليه أسرعت به وجاءت به إلى بيت المقدس فوضعته على صخرة فانخفضت الصخرة له وصارت كالمهد، وهي الآن موجودة تزار بحرم بيت المقدس.


الصفحة التالية
Icon