ثم بعد أيام توجهت به إلى بحر الأردن فغمسته فيه، وهو اليوم الذي تتخذه النصارى عيداً ويسمونه يوم الغطاس، وهم يظنون أن المياه في ذلك اليوم تقدست فلذلك يغطسون في كل ماء. ومن زعم أنها ولدت بمصر، قال: بكورة أنهاس، ولم يثبت، انتهى من البحر لأبى حيان، وأنهاس بجانب البهنسا.
(قالت) جزعاً مما أصابها (يا) للتنبيه لأن المنادى غير عاقل (ليتني مت قبل هذا) الوقت أو الأمر تمنت الموت استحياء من الناس، أو خوفاً من الفضيحة لأنها خافت أن يظن بها السوء في دينها أو لئلا يقع قوم بسببها في البهتان.
(وكنت نسياً منسياً) أي شيئاً حقيراً متروكاً، والنَّسْيُ في كلام العرب الشيء الحقير الذي من شأنه أن يُنسى ولا يذكر ولا يعرف ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل وقال الفراء: النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها، فتقول مريم: نسياً منسياً أي حيضة ملقاة، وقد قرئ بفتح النون وكسرها وهما لغتان مثل الحجر والحجر والوتر والوتر، وقرأ القرظي: نِسأ بالهمز مع كسر النون، ونوف البكالي بالهمز مع فتح النون والمنسي المتروك الذي لا يذكر ولا يعرف ولا يخطر ببال أحد من الناس، قال ابن عباس: نسياً منسياً أي لم أخلق ولم أك دشيئاً.
(فناداها) أي خاطبها لا سمع قولها (من) قرئ بكسر الميم وفتحها وهما سبعيتان (تحتها) الضمير إما لمريم وإما للنخلة والأول أولى لتوافق الضميرين وكانت على أكمة وكان جبريل أسفل منها تحت الأكمة، قال قتادة: الذي ناداها جبريل، وبه قال ابن عباس: وزاد. ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، وقد اختلفت الروايات عن السلف، هل هذا المنادى هو جبريل؟ أو عيسى؟ فمن قرأ (من) بالفتح فهو عيسى، ومن قرأ بالكسر فهو جبريل (أن لا تحزني) تفسير للنداء أو المعنى بأن لا تحزني على أنها مصدرية ولا ناهية أو نافية (قد جعل ربك تحتك) أي قربك (سرياً).


الصفحة التالية
Icon