وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)
ثم صرح الخليل بما تضمنه سلامه من التوديع والمتاركة فقال:
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) أي أهاجر بديني عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتي، وهذا في مقابلة قوله: واهجرني ملياً.
(وأدعو ربي) وحده (عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً) أي خائباً كما شقيتم بعبادة الأوثان. وقيل عاصياً قيل: أراد بهذا الدعاء هو أن يهب الله له ولداً وأهلاً يستأنس بهم في اعتزاله ويطمئن إليهم عند وحشته، وفي تصدير الكلام بعسى التواضع وهضم النفس والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل منه تعالى غير واجبين وأن ملاك الأمر خاتمته وهو عيب.
وقيل: أراد دعاءه لأبيه بالهداية، وعسى للشك لأنه كان لا يدري
أيستجاب له فيه أم لا، والأول أولى لقوله:
(فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) أي بأن ذهب مهاجراً من

بابل أو كوئي إلى الأرض المقدسة (وهبنا له إسحاق ويعقوب) أي جعلنا


هذين الموهوبين له أهلاً وولداً بدل الأهل الذين فارقهم يأنس بهما. وهذا
يقتضي أنه عاش حتى رأى يعقوب وهو كذلك، كما مرت الإشارة إليه في
قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، وخصهما لأنه سيذكر إسماعيل بفضله منفرداً قال ابن عباس: وهبنا له إسحاق ابناً ويعقوب ابن ابنه (وكُلّا) مفعول لجعلنا قدم عليه للتخصيص، لكن بالنسبة إليهم أنفسهم لا بالنسبة إلى من عداهم، أي كل واحد منهم (جعلنا نبياً) لا


الصفحة التالية
Icon