بعضهم دون بعض.
(ووهبنا لهم من رحمتنا) أي للثلاثة بأن جعلناهم أنبياء، وذكر هذا بعد التصريح بجعلهم أنبياء لبيان أن النبوة هي من باب الرحمة. وقيل المراد بالرحمة هنا المال وسعة الرزق، وقيل كثرة الأولاد، وقيل الكتاب، ولا يبعد أن يندرج تحتها جميع هذه الأمور. ومن للتبعيض.
(وجعلنا لهم لسان صدق علياً) أي الثناء الحسن قاله ابن عباس، عبر عنه باللسان لكونه يوجد به، كما عبر باليد عن العطية، وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يقال فيهم من الثناء على ألسن العباد، ففي اللسان مجاز مرسل من إطلاق اسم الآلة وإرادة ما ينشأ منها. والمعنى وجعلنا لهم ثناء صادقاً يذكرهم الأمم كلها إلى يوم القيامة، بما لهم من الخصال المرضية، ويصلون على إبراهيم وعلى آله إلى قيام الساعة، وهذا توبيخ لكفار مكة إذ كان مقتضى ترضيهم وثنائهم على المذكورين أن يتبعوهم في الدين مع أنهم لم يفعلوا.
ثم قفى الله سبحانه قصة إبراهيم بقصة موسى لأنه تلوه في الشرف، وقدمه على إسماعيل لئلا يفصل بينه وبين ذكر يعقوب فقال:
(واذكر في الكتاب) أي واقرأ عليهم من القرآن قصة (موسى إنه كان مخلصاً) بفتح اللام أي جعلناه مختاراً وأخلصناه، وقرئ بكسرها أي أخلص العبادة والتوحيد لله غير مراء للعباد (و) أنه (كان رسولاً نبياً) أي أرسله الله إلى عباده فأنبأهم عن الله بشرائعه التي شرعها لهم، فهذا وجه ذكر النبي بعد الرسول مع استلزام الرسالة للنبوة، فكأنه أراد بالرسول معناه اللغوي لا الشرعي، والله أعلم.
وقال النيسابوري: الرسول النبي الذي معه كتاب والنبي الذي ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب، وكان المناسب ذكر الأعم قبل الأخص إلا أن رعاية الفواصل اقتضت عكس ذلك؛ كقوله في طه: (رب هارون وموسى). قال مجاهد: النبي هو الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل،


الصفحة التالية
Icon