لأولئك، ويجوز أن يكون الخبر هو الذين أنعم الله عليهم، وهذا استئناف لبيان خشوعهم لله وخشيتهم منه، والسجد والبُكِيّ جمع ساجد قياساً وباك على غير قياس، وقياسه بكاة، كقاض وقضاة، وقد تقدم في سبحان بيان معنى خروا سجداً، يقال بكى يبكي بكاء وبكياً؛ قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن، أي ليس معه صوت، ومنه قول الشاعر:

بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل
قال الزجاج: قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله بكوا وسجدوا خضوعاً وخشوعاً وخوفاً وحذراً، والمراد من الآيات ما خصهم به من الكتب المنزلة عليهم، وقيل المراد بها ذكر الجنة والنار والوعد والوعيد؛ وفيه استحباب البكاء وخشوع القلب عند سماع القرآن.
قال صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله ﷺ في المنام فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ وفي الحديث: " اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا " (١). وعن ابن عباس: إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه، وقد استدل بهذه على مشروعية سجود التلاوة، وهذه السجدة من عزائم سجود القرآن، فيسن للقارئ والمستمع أن يسجد عند تلاوة هذه الآية، وقال بعضهم: إنه الصلاة.
وقال الرازي: يحتمل أنهم عند الخوف كانوا قد تعبدوا بالسجود فيفعلوا ذلك لأجل ذكر السجود في الآية.
ولما مدح الله سبحانه هؤلاء الأنبياء بهذه الصفات ترغيباً لغيرهم في الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم، ذكر أضدادهم تنفيراً للناس على طريقتهم فقال:
_________
(١) ابن ماجة كتاب الإقامة باب ١٧٦ - كتاب الزهد باب ٦٩.


الصفحة التالية
Icon