(ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً) قال المفسرون: ليس في الجنة بكرة ولا عشية ولا نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبداً، ولكنهم يؤتون رزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء في الدنيا، وبه قال ابن عباس وإنما يعرفون الليل بإرخاء الحجب، وغلق الأبواب، والنهار بفتحها ورفع الحجب، كما روي، والرزق في البكرة والعشي، أفضل العيش عند العرب، وقيل أراد دوام الرزق.
أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن الحسن وأبي قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال " وما هيجك على هذا؟ " قال سمعت الله يذكر في الكتاب: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً) فقلت الليل من البكرة والعشي، فقال رسول الله ﷺ " ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، تأتيهم طرف الهدايا من الله بمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة ".
(تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً) أي هذه الجنة التي وصفنا أحوالها نورثها ونعطيها وننزل بها من كان من أهل التقوى، كما يتقي على الوارث مال مورثه، ولا يرد كالميراث الذي يأخذه الوارث فلا يرجع فيه المورث، أي نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم، قرئ نورث بفتح الواو وتشديد الراء من ورّث مضعفاً وبالتخفيف، وقرأ الأعمش نورثها بإبراز عائد الموصول.
وقيل في الكلام تقديم وتأخير، أي نورث من كان تقياً من عبادنا والوراثة أقوى لفظ يستعمل في التمليك، والاستحقاق من حيث إنها لا تعقب بفسخ ولا استرجاع ولا تبطل بردّ ولا إسقاط، وقيل يورث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار، لو أطاعوا زيادة في كرامتهم.


الصفحة التالية
Icon