ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: (إنما نعد لهم عداً) يعني نعد الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم فلا نهمل ما بقع منهم بل نضبطه عليهم حتى نؤاخذهم به، وقيل نعد أنفاسهم وقيل خطواتهم وقيل لحظاتهم وقيل الساعات.
وقال قطرب: نعد أعمالهم، وقيل المعنى لا تعجل عليهم إنما نؤخرهم ليزدادوا إثماً. قال الشهاب: أن العد كناية عن القلة، ولا ينافي هذا ما مر من أنه يمد لمن كان في الضلالة لأنه بالنسبة لظاهر الحال عندهم وهو قليل باعتبار عاقبته وعند العد. ثم لما قرر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذ فقال:
(يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً) أي اذكر يا محمد ﷺ يوم إلخ. ومعنى الحشر إلى الرحمن حشرهم إلى جنته ودار كرامته، كقوله: إني ذاهب إلى ربي، والوفد جمع وافد كالركب جمع راكب والصحب جمع صاحب يقال وفد يفد وفداً إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير. كذا قال الجوهري. وعن ابن عباس قال: وفداً ركباناً.
وعن أبي هريرة قال: على الإبل. وعن علي قال: على نوق. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق، راغبين وراهبين، اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا " والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً (١).
وقيل يركبون من أول خروجهم من القبور. وهو ظاهر الآية. وقيل من منصرفهم من الموقف، وعلى كلا القولين فيستمرون راكبين، حتى يقرعون باب الجنة.
_________
(١) مسلم ٢٨٦١ - البخاري ٢٤٥٠.