وقال الشوكاني: قد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبعض المتأخرين. وذكر فيه أخباراً وأشعاراً وفوائد لطيفة ونكتاً رشيقة، وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصاة النبي ﷺ وعنزته؛ وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام وفي المحافل والخطب.
وقال بعضهم: إمساك العصا سنة الأنبياء وزينة الصلحاء وسلاح على الأعداء وعون الضعفاء وغم المنافقين وزيادة في الطاعات.
ويقال إذا كان مع المؤمن العصا يهرب منه الشيطان ويخشع منه المنافق والفاجر وتكون قبلته إذا صلى وقوته إذا أعيا.
(قال ألقها يا موسى) هذه جملة مستأنفة أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة
(فألقاها) أي طرحها موسى على الأرض (فإذا هي حية تسعى) ولم تكن قبل ذلك حية، فمرت بشجرة فأكلتها ومرت بصخرة فابتلعتها، فجعل موسى يسمع وقع الصخرة في جوفها قاله ابن عباس، وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى، أي تمشي بسرعة وخفة على بطنها.
قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فماً وباقيها جسم حية تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها، وقال في موضع آخر كأنها جان. وهي الحية الصغيرة الجسم الخفيفة، وقال في موضع آخر كأنها ثعبان، وهو أكبر ما يكون من الحيات، ووجه الجمع أن الحية اسم جامع للكبير والصغير والذكر والأنثى.
وقيل كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان. وقيل سماها جاناً تارة نظراً للمبدأ وثعباناً مرة باعتبار المنتهى، وحية تارة أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبراً ولم يعقب فنودي أن يا موسى.


الصفحة التالية
Icon