كثير في التنزيل، وكذا في كلام العرب، فإنهم يحذفون كثيراً من الكلام إذا كان المعنى معروفاً، ومدين هى بلد شعيب، وكانت على ثمان مراحل من مصر هرب إليها موسى فأقام بها عشرين سنة وهى أتم الأجلين وقيل أقام عند شعيب ثمانية وعشرين سنة، منها عشر مهر امرأته ابنة شعيب، ومنها ثماني عشرة سنة بقي فيها عنده حتى ولد له.
(ثم جئت على قدر يا موسى) أي في وقت سبق في قضائي وعلمي وقدري أن أكلمك وأجعلك نبياً أو على ميقات ومقدار من الزمان يوحي فيه إلى الأنبياء قاله ابن عباس، وهو رأس أربعين سنة، أو على موعد قد عرفته بإخبار شعيب لك به قاله مجاهد وقتادة قال الشاعر:

نال الخلافة إذ كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر
وكلمة ثم المفيدة للتراخي للدلالة على أن مجيئه عليه السلام كان بعد مدة وذلك بسبب ما وقع له من ضلال الطريق وتفرق غنمه ونحو ذلك، وعلى بمعنى مع.
(واصطنعتك لنفسي) بالرسالة والاصطناع اتخاذ الصنعة وهو الخير تسديه إلى إنسان، والمعنى اصطنعتك لوحي ورسالتي لتنصرف على إرادتي، قال الزجاح: تأويله اخترتك لإقامة حجتي وجعلتك بيني وبين خلقي وصرت بالتبليغ عني بالنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتجبت عليهم، قيل وهو تمثيل لما خَوَّله الله سبحانه من الكرامة العظمى بتقريب الملك لبعض خواصه وهذه هي المنة الثامنة.
قال أبو السعود: وفي قوله يا موسى تشريف له عليه السلام وتنبيه على انتهاء الحكاية التي هي تفصيل المرة الأخرى التي وقعت قبل المرة المحكية أولاً وقوله (اصطنعتك لنفسي) تذكير لقوله: (وأنا اخترتك) وتمهيد لإرساله إلى فرعون مؤيداً بأخيه انتهى.


الصفحة التالية
Icon