هدى) أنه سبحانه هداهم إلى طريق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، أو المعنى أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه.
قال ابن عباس: خلق لكل شيء زوجة ثم هدى، قال هداه لمنكَحِهِ ومطعمه ومشربه ومسكنه، ولما سمع فرعون ما احتج به موسى في ضمن هذا الكلام على إثبات الربوبية وشاهَد ما نَظَمَه في سلك الاستدلال من البرهان النير كما لا يخفى من أن الخلق والهداية ثابتان بلا خلاف ولا بد لهما من خالق وهاد، وذلك الخالق والهادي هو الله سبحانه لا رب غيره، خاف أن يظهر للناس أحقية ما قاله موسى وبطلان خرافاته، أراد أن يصرف موسى عن سننه إلى ما لا يعنيه من الأمور التي لا تعلق لها بالرسالة من الحكايات لأجل أن يرى قومه أن عنده معرفة.
(قال فما بال القرون الأولى) كقوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان فإنها لم تُقِرّ بالرب، بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات. ومعنى البال الحال والشأن، أي ما حالهم وما شأنهم وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة. فأجابه موسى و
(قال علمها عند ربي) أي أن هذا الذي سألت عنه ليس مما نحن بصدده، بل هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ولا أنا وإن العلم بأحوالهم لا تعلق له بمنصب الرسالة (في كتاب) أي أنها مثبتة في اللوح المحفوظ. قال الزجاج: المعنى أن أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها يوم القيامة والتقدير علم أعمالها عند ربي في كتاب.
واعلم أن فرعون لما سأل موسى عن الإله وكان ذلك مما سبيله الاستدلال أجابه موسى بأوجز عبارة وأحسن معنى، ولما سأله عن القرون الأولى، وكان ذلك مما سبيله الإخبار ولم يأته خبر في ذلك وكله إلى عالم


الصفحة التالية
Icon