(وخشعت الأصوات للرحمن) أي خفضت لهيبته وجلاله؛ وقيل ضعفت لعظمته، وقيل ذلت من شدة الفزع، وقيل سكنت، قاله ابن عباس، والمراد أصحاب الأصوات.
(فلا تسمع إلا همساً) هو الصوت الخفي، قاله ابن عباس ومجاهد. وقال أكثر المفسرين: هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر ووطئها، ومنه همست الإبل إذا سمع ذلك من وقع أخفافها على الأرض. وعن الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن مثله، وعن سعيد أيضاً قال: سر الحديث والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفي، سواء كان بالقدم أو من الفم بتحريك الشفاه أو غير ذلك، ويؤيده قراءة أبي: فلا ينطقون إلا همساً وهو مصدر همست الكلام، من باب ضرب إذا أخفيته والاستثناء مفرغ. وقال الزمخشري: الهمس الذكر الخفي ومنه الحروف المهموسة.
(يومئذ) أي يوم يقع ما ذكرنا (لا تنفع الشفاعة) من شافع كائناً من كان (إلا) شفاعة (من أذن له الرحمن) في أن يشفع لغيره، وبه بدأ القاضي كالكشاف لما فيه من تعظيم الشافع، واللام للتعليل، أي لأجله.
(ورضي له قولاً) أي رضي قوله في الشفاعة، أو رضي لأجله قول الشافع، والمعنى إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له وكان له قول يرضى، ومثل هذه الآية قوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى). وقوله (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً). وقوله: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين). وفيه دلالة على أنه لا يشفع أحد لأحد إلا لمن يأذن الله له فيها، فلا شفاعة إلا بإذن منه سبحانه، وهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمنين، وبه صرح البغوي؛ وهذه الآية من أقوى الدلائل على ثبوت الشفاعة في حق الفساق، لأن قوله ورضي له قولاً، يكفي في صدقه أن يكون الله تعالى قد رضي له قولاً واحداً من أقواله. والفاسق قد رضي الله من أقواله شهادة أن لا إله إلا الله فوجب أن تكون الشفاعة نافعة له بعد الإذن، لأن الاستثناء من النفي إثبات. والجملة تفسير لمن يؤذن في الشفاعة له.