والعري يقابل الضحو، لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر، والظمأ حر الباطن والضحو حر الظاهر، فنفى عن ساكنها ذل الظاهر والباطن وحرهما، ذكره ابن لقيمة.
قال أبو السعود: وفصل الظمأ من الجوع مع تجانسهما وتقارنهما في الذكر عادة وكذا حال العري والضحو المتجانسين لتوقية مقام الامتنان حقه للإشارة إلى أن نفي كل واحد من تلك الأمور نعمة على حيالها ولو جمع بين الجوع والظمأ لربما توهم أن نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال في الجمع بين العري والضحو ولزيادة التقرير بالتنبيه على أن نفي كل واحد من هذه الأمور مقصود بالذات مذكور بالأصالة لا أن نفي بعضها مذكور بطريق الاستطراد والتبعية لبعض آخر كما عسى يتوهم لو جمع كل من المتجانسين انتهى.
(فوسوس إليه الشيطان) قد تقدم تفسيره وما بعده في الأعراف في قوله: (فوسوس لهما الشيطان) أي ألقى إليه وسوسته، وأما وسوس له فمعناه وسوس لأجله وقال أبو البقاء: عدي بإلى لأنه بمعنى أسر، وعدي باللام في موضع آخر لكونه بمعنى ذكر له ويكون بمعنى لأجله.
(قال يا آدم) بيان لصورة الوسوسة (هل أدلك على شجرة الخلد) هي الشجرة التي من أكل منها لم يمت أصلاً وبقي مخلداً.
أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، وهي شجرة الخلد " (١) (وملك لا يبلى) أي تصرف يدوم ولا يزول ولا ينقضي ولا يبيد ولا يفنى وهو لازم الخلود.
_________
(١) أحمد بن حنبل ٢/ ٢٥٧ - ٤٠٤ - ٤١٨ - ٤٣٨ - ٤٥٢ - ٤٥٥ - ٣/ ١١٠ - ١٣٥ - ١٦٤ - ١٨٥ - ٢٠٧ - ٢٣٤ - مسلم ٢٨٢٦.


الصفحة التالية
Icon