(نوحي إليهم) مستأنفة لبيان كيفية الإرسال أو صفة (رجالاً) أي متصفين بصفة الإيحاء إليهم، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية؛ ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال:
(فاسألوا أهل الذكر) هم أهل الكتابين اليهود والنصارى (إن كنتم لا تعلمون) أن رسل الله من البشر فإنهم لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه وإن أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وتقدير الكلام إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر، وتوجيه الخطاب إلى الكفرة لتبكيتهم واستنزالهم عن رتبة التكبر، وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ، ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنة، لا عن الرأي البحت، وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته، والمقلد إذا سأل أهل الذكر عن كتاب الله وسنة رسوله لم يكن مقلداً. قال الرازي ومن الناس من قال المراد بأهل الذكر أهل القرآن وهو بعيد لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وسلم. فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للعاميّ أن يرجع إلى فتيا العلماء، وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر فبعيد لأن هذه الآية خطاب مشافهة وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين أهـ.
وقد قدمنا في سورة النحل أن سياق هذه الآية الكريمة يفيد أن المراد بها السؤال الخاص، وبه يظهر لك أن هذه الآية دليل الاتباع لا دليل التقليد فارجع إليه. وقد أوضح الشوكاني هذا في رسائل بسيطة، منها (القول المفيد في حكم التقليد)، (وأدب الطلب ومنتهى الأرب) وغيره في غيرها. ثم لما فرغ سبحانه عن الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال:
(وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام) أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون، والجسد جسم الإنسان والجنة والملائكة.
قال الزجاج: هو واحد ينبئ عن جماعة، أي وما جعلناهم ذوي


الصفحة التالية
Icon