بريد، قالوا وليس هو شعيباً صاحب مدين (قلت) وآثار القبر بجبل صنين موجودة، والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم، فلما كذبوه وقتلوه اتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف ونادى مناد من جو السماء يا لثارات الأنبياء، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم.
(قالوا) لما قالت لهم الملائكة لا تركضوا (يا ويلنا) أي يا هلاكنا (إنا كنا ظالمين) لأنفسنا مستوجبين العذاب بما قدمنا، فاعترفوا على أنفسهم بالظلم الموجب للعذاب وقالوا ذلك على سبيل الندامة ولم ينفعهم الندم.
(فما زالت تلك) أي هذه الجملة والكلمة (دعواهم) هي قولهم يا ْويلنا أي يدعون بها ويرددونها (حتى جعلناهم حصيداً) بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل، والحصيد هنا بمعنى المحصود.
ومعنى (خامدين) أنهم ميتون من خمدت النار وهمدت إذا طفئت، فشبه خمود الحياة بخمود النار، كما يقال لمن مات قد طفىء، والخمود عبارة عن سكون لهبها مع بقاء الحر، والهمود عبارة عن ذهابها بالكلية حتى تصير رماداً، فالأحسن أن يكون المراد بالخمود هنا الهمود فإنه أبلغ معنى، والمعنى جعلناهم جامعين لماثلة الحصاد والخمود، كقولك جعلته حلواً حامضاً؛ أي جعلته جامعاً للطعمين. قال مجاهد: بالسيف ضرب الملائكة وُجُوهَهم حتى رجعوا إلى مساكنهم.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال: حدثني رجل من الجزريين قال: كان باليمن قريتان يقال لإحداهما حضور وللأخرى قلابة، فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم فلما أترفوا بعث الله إليهم نبياً فدعاهم فقتلوه، فألقى الله في قلب بختنصر أن يغزوهم؛ فجهز لهم جيشاً فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين؛ فجهز إليهم جيشاً آخر أكثف من الأول فهزموهم أيضاً، فلما رأى بختنصر غزاهم هو بنفسه، فقاتلهم حتى خرجوا منها يركضون؛ فسمعوا منادياً يقول: لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيا


الصفحة التالية
Icon