وقال ابن زيد الفرقان: الحق، وقيل الفرقان هنا هو النصر على الأعداء كما في قوله: وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان؛ قال الثعلبي: وهذا القول اشبه بظاهر الآية، ومعنى ضياء أنهم استضاؤوا بها في ظلمات الجهل والغواية، ومعنى الذكر الموعظة أي أنهم يتعظون بما فيها.
وخص المتقين لأنهم ينتفعون بذلك ووصفهم بقوله
(الذين يخشون ربهم بالغيب) لأن هذه الخشية تلازم التقوى أو يخشون عذابه وهو غائب عنهم أو هم غائبون عنه، لأنهم في الدنيا، والعذاب في الآخرة؛ وقيل يخافونه في الخلوات إذا غابوا عن أعين الناس.
(وهم من الساعة مشفقون) أي وهم من أهوال القيامة خائفون وَجِلُون، وهذا من ذكر الخاص بعد العام، لكونها أعظم المخلوقات وللتنصيص على إنصافهم بضد ما أنصف به المستعجلون وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على ثبات الإشفاق ودوامه.
(وهذا) أي القرآن قاله قتادة، والإشارة إليه بأداة القرب إيماء إلى سهولة تناوله عليهم (ذكر مبارك) قال الزجاج: أي ذكر لمن تذكر به وموعظة لمن اتعظ به والمبارك كثير البركة والخير (أنزلناه) صفة للذكر أو خبر بعد خبر.
(أفأنتم له منكرون)؟ الاستفهام للإنكار لما وقع منهم من الإنكار أي كيف تنكرون كونه منزلاً من عند الله؟ مع اعترافكم بأن التوراة منزلة من عنده، أو أنكم من أهل اللسان تدركون مزايا الكلام ولطائفه، وتفهمون من بلاغة القرآن ما لا يدركه غيركم؛ مع أن فيه شرفكم وَصِيَّتكم. كما يشير إليه لفظ الذكر على ما سبق، فلو أنكره غيركم لكان ينبغي لكم مناصبته، وتقديم الظرف على المتعلق دال على التخصيص أي أفأنتم للقرآن خاصة دون كتاب اليهود فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنّ لهم من المشكلات.


الصفحة التالية
Icon