الآدمي أو غيره من الحيوانات وأنكر عليهم عبادتها بقوله:
(التي أنتم لها عاكفون) العكوف عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشيء لغرض من الأغراض، واللام في لها للاختصاص، ولو كانت للتعدية لجيء بكلمة على أي ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها؟ وقيل: إن العكوف مضمن معنى العبادة وكانت تلك الأصنام اثنين وسبعين صنماً، بعضها من ذهب وبعضها من فضة، وبعضها من حديد، وبعضها من رصاص، وبعضها من نحاس وبعضها من حجر، وبعضها من خشب، وكان كبيرها من ذهب مكللاً بالجواهر في عينيه ياقوتتان متقدتان تضيآن في الليل.
(قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين) فقلدناهم واقتدينا بهم أجابوه بهذا الجواب الذي هو العصا التي يتوكأ عليها كل عاجز والحبل الذي يتشبث به كل غريق؛ وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء أي وجدنا آباءنا يعبدونها، فعبدناها اقتداء بهم ومشياً على طريقتهم.
وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية فإن العالم بالكتاب والسنة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأي المدفوع بالدليل، قالوا: هذا قد قال به إمامنا الذي وجدنا آباءنا له مقلدين وبرأيه آخذين، قال الحفناوي: أي فلم يكن جوابهم إلا التقليد انتهى، وجوابهم هو ما أجاب به الخليل هاهنا.
(قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين) أي في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد، ولا يلتبس على ذي عقل، فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر، وليس بعد هذا الضلال ضلال، ولا يساوي هذا الخسران خسران، قال النسفي: أراد أن المقلدين


الصفحة التالية
Icon