(و) كذا سخرنا (الطير) للتسبيح معه (وكنا فاعلين) ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير، وقدم الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق وهو جمع طائر، وجمع الطير طيور وأطيار، ويقع الطير على الواحد والجمع.
وقال ابن الأنباري: الطير جماعة وتأنيثها أكثر من التذكير، ولا يقال للواحد طير بل طائر، وقلما يقال للأنثى طائرة.
(وعلمناه صنعة لبوس لكم) اللبوس عند العرب السلاح كله، درعاً كان أو جوشنا أو سيفاً أو رمحاً، والمراد في الآية الدروع خاصة، وهو بمعنى الملبوس كالركوب والحلوب، قيل أول من صنع الدروع وسردها واتخذها حلقاً داوود عليه السلام، وكانت من قبل صفائح؛ قالوا إن الله ألان الحديد لداود عليه السلام بأن يعمل منه بغير نار كأنه طين، والدرع يجمع بين الخفة والحصانة، وهو قوله (لتحصنكم) بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الصنعة أو إلى اللبوس بتأويل الدرع أي لشمنعكم، وقرئ بالنون بإرجاع الضمير إليه سبحانه؛ وقرئ بالياء بإرجاع الضمير إلى اللبوس أو إلى داوود أو إلى الله سبحانه (من بأسكم) أي من حربكم مع أعدائكم، أو من وقع السلاح فيكم.
(فهل أنتم) يا أهل مكة (شاكرون) لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم، والاستفهام في معنى الأمر، ثم ذكر سبحانه ما خص به سليمان فقال:
(و) سخرنا (لسليمان الريح) عبر هنا باللام الدالة على التمليك، وفي داوود بـ (مع) وذلك أن الجبال والطير لما اشتركا معه في التسبيح ناسب فيه ذكر (مع) الدالة على الاصطحاب، ولما كانت الريح مستخدمة لسليمان


الصفحة التالية
Icon