(فنادى في الظلمات) الفاء فصيحة أي كان ما كان من التقام الحوت له فنادى، والمراد بالظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، قاله ابن مسعود.
وكان نداؤه هو قوله: (أن) أي بأن (لا إله إلا أنت سبحانك) يعني تنزيهاً من أن يعجزك شيء (إني كنت من الظالمين) الذين يظلمون أنفسهم، وأول هذا الدعاء تهليل وأوسطه تسبيح وآخره إقرار بالذنب.
وقال الحسن وقتادة: هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته قال ذلك وهو في بطن الحوت، قيل مكث فيه أربعين يوماً وليلة، وقيل سبعة وقيل ثلاثة كما في الخازن، وفي البيضاوي أربع ساعات.
ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال:
(فاستجبنا له) دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه (ونجيناه من الغم) أي غم الذلة والوحشة والوحدة بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل (وكذلك ننجي المؤمنين) أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم، وما أعددناه لهم من الرحمة إذا دعونا واستغاثوا بنا وهذا هو معنى الآية الأخرى وهي قوله: (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) قرئ ننجي بنونين وبواحدة وجيم مشددة وتسكين الياء علي الفعل الماضي، وإضمار المصدر أي وكذلك نجى النجاة المؤمنين؛ كما تقول ضرب زيداً، أي ضرب الضرب زيداً، قاله الفراء وأبو عبيد وثعلب.
وخطأها أبو حاتم والزجاج، وقالا: هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله، وإنما يقال نجى المؤمنون، وقيل أدغم النون في الجيم وبه قال القتبي وأبو عبيدة واعترضه النحاس، فقال: هذا لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج المدغم والمدغم فيه.