قال القرطبي: هذا حديث غاية في البيان في تفسير الآية ولم يذكره كثير من المفسرين، وقد كتبناه في كتاب التذكرة. أهـ.
ويقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ أو قلنا لهم (لقد جئتمونا كما خلقناكم) أي مجيئاً كائناً كمجيئكم عند أن خلقناكم (أول مرة) أو كائنين كما خلقناكم أول مرة، أي حفاة عراة غرلاً لا مال ولا ولد، كما ورد ذلك في الحديث. قال الزجاج: أي بعثناكم واعدناكم كما خلقناكم، لأن قوله (لقد جئتمونا) معناه بعثناكم وبه قال الزمخشري.
(بل زعمتم) هذا ضرب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ، وهو خطاب لمنكري البعث، أي زعمتم في الدنيا (أن لن نجعل لكم موعداً) نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب.
(ووضع) العامة على بنائه للمفعول، وزيدُ بنُ عليّ على بنائه للفاعل وهو الله أو الملك وقوله (الكتاب) مرفوع على الأول ومنصوب على الثاني، والمراد به صحائف الأعمال، وإفراده لكون التعريف فيه للجنس والوضع إما حسي بأن توضع صحيفة كل واحد في يده، السعيد في يمينه والشقي في شماله أو في الميزان وإما عقلي أي أظهر عمل كل واحد من خير أو شر بالحساب الكائن في ذلك اليوم وقيل: توضع بين يدي الله تعالى.
(فترى المجرمين مشفقين مما فيه) أي خائفين وجلين مما في الكتاب الموضوع من الأعمال السيئة لما يتعقب ذلك من الافتضاح في ذلك الجمع والمجازاة بالعذاب الأليم (ويقولون) إذا رأوها (يا ويلتنا) يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم في الهلاك وهو مصدر لا فعل له من لفظه ونداؤها على تشبيهها بشخص يطلب إقباله كأنه قيل يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك ففيه استعارة مكنية وتخييلية، وفيه تقريع لهم وإشارة إلى أنه لا صاحب لهم غير الهلاك وطلبوا هلاكهم لئلا يروا ما هم فيه وقد تقدم تحقيقه في المائدة.