بالجدال الباطل (الحق) ويبطلوه، وأصل الدحض الزَّلْقَ، يقال دحضت رجله أي زلقت تدحض دحضاً، ودحضت الشمس عن كبد السماء أي زالت، ودحضت حجته دحوضاً بطلت، والدحض الطين لأنه يزلق فيه.
ومن مجادلة هؤلاء الكفار بالباطل قولهم للرسل: ما أنتم إلا بشر مثلنا، وقولهم: أبعث الله بشراً رسولاً ونحو ذلك (واتخذوا آياتي) أي القرآن (و) اتخذوا (ما أنذروا) به من الوعيد والتهديد، وما بمعنى الذي أو مصدرية، قاله أبو حيان (هزوا) أي لعباً وباطلاً، وقد تقدم هذا في البقرة.
(ومن) أي لا أحد (أظلم) لنفسه (ممن ذكر) وعظ، وقد روعي لفظ من في خمسة ضمائر هذا أولها؛ وروعي معناها في خمسة أولها على قلوبهم بآيات ربه التنزيلية أو التكوينية أو مجموعهما.
(فأعرض عنها) أي عن قبولها فتهاون بها ولم يتدبرها حق التدبير ولم يتفكر فيها حق التفكر وتركها ولم يؤمن بها، وأتى بالفاء الدالة على التعقيب لأن ما هنا في الأحياء من الكفار فإنهم ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا، وقاله في السجدة بثم الدالة على التراخي، لأن ما هناك في الأموات من الكفار فإنهم ذكروا مرة بعد أخرى ثم أعرضوا بالموت فلم يؤمنوا.
(ونسي ما قدمت يداه) من الكفر والمعاصي فلم يتب عنها. وقال قتادة: ما سلف من الذنوب الكثيرة. قيل والنسيان هنا بمعنى الترك والتشاغل والتغافل عن كفره المتقدم، وقيل هو على حقيقته.
(إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) أي أغطية جمع كنان، وفي القاموس إنه جمع كِنَ أيضاً؛ ونصه والكِن وقاء كل شيء وستره كَالْكِنَّة والْكِنان بكسرهما والجمع أكنان وأكنة والجملة تعليل لإعراضهم ونسيانهم. قال الزجاج: أخبر الله سبحانه أن هؤلاء طبع على قلوبهم (أن يفقهوه) أي لئلا يفقهوه (و) جعلنا (في آذانهم وقراً) أي ثقلاً وصمماً يمنع من استماعه سماع انتفاع، وقد تقدم تفسير هذا في الأنعام (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً) لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم بسبب كفرهم ومعاصيهم.


الصفحة التالية
Icon