سبحانه وعلامات يستدل بها على عظيم شأنه (وإن كنا لمبتلين) أي لمختبرين قوم نوح بإرساله إليهم ووعظه أو لمختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي من الناس أو الملائكة، وقيل المعنى أنه يعاملهم سبحانه معاملة المختبر لأحوالهم تارة بالإرسال وتارة بالعذاب لينظر من يعتبر ويذكر كقوله: (ولقد تركناها آية فهل من مذكر).
(ثم أنشأنا من بعدهم) أي من بعد إهلاكهم (قرناً) أي قوماً (آخرين) قال أكثر المفسرين: إن هؤلاء هم عاد قوم هود لمجيء قصتهم على أثر قصة نوح في غير هذا الموضع؛ ولقوله في الأعراف (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) وقيل هم ثمود لأنهم الذين أهلكوا بالصيحة، وقد قال سبحانه في هذه القصة (فأخذتهم الصيحة)، وقيل هم أصحاب مدين قوم شعيب، لأنهم ممن أهلك بالصيحة.
(فأرسلنا فيهم رسولاً منهم) عدّي فعل الإرسال بـ (في) مع أنه يتعدى بإلى للدلالة على أن الرسول المرسل إليهم نشأ فيهم وبين أظهرهم يعرفون مكانه ومولده ليكون سكونهم إلى قوله أكثر من سكونهم إلى من يأتيهم من غير مكانهم، وقيل وجه التعدية بفي أنه ضمن معنى القول، والأول أولى، لأن تضمين أرسلنا معنى قلنا: لا يستلزم تعديته بفي.
(أن اعبدوا الله) أن مفسرة لأرسلنا أي قلنا لهم على لسان الرسول هذا القول (ما لكم من إله غيره) تعليل للأمر بالعبادة (أفلا تتقون)؟، عذابه الذي يقتضيه شرككم.
(وقال الملأ من قومه) أي قادتهم وأشرافهم، ثم وصف الملأ بالكفر والتكذيب فقال: (الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة) أي بما في الآخرة من الحساب والعقاب أو بالمصير إليها أو كذبوا بالبعث.


الصفحة التالية
Icon