الآيات
(إلى فرعون وملئه) أي الأشراف منهم كما سبق بيانه غير مرة (فاستكبروا) أي طلبوا الكبر وكلفوه، وتعظموا عن الإيمان فلم ينقادوا للحق (وكانوا قوماً عالين) قاهرين للناس أو لبني إسرائيل بالبغي والظلم، مستعلين عليهم متطاولين كبراً وعناداً وتمرداً.
(فقالوا أنؤمن لبشرين)؟ يعنون بهما موسى وهارون (مثلنا) الاستفهام للإنكار، أي كيف نصدق من كان مثلنا في البشرية، والبشر يطلق على الواحد، كقوله بشراً سوياً، كما يطلق على الجمع، كقوله: (فإما ترينّ من البشر أحداً)، فتثنيته هنا هي باعتبار المعنى الأول ويطلق على المثنى والمذكر والمؤنث، وأفرد المثل لأنه في حكم المصدر يجري مجراه في الإفراد والتذكير ولا يؤنث أصلاً، وقد يطابق ما هو له تثنية، كقوله: (يرونهم مثليهم رأي العين)، وجمعاً كقوله: (ثم لا يكونوا أمثالكم).
(وقومهما) أي بنو إسرائيل (لنا عابدون) أي أنهم مطيعون لنا، منقادون لما نأمرهم به كانقياد العبيد. قال المبرّد: العابد المطيع الخاضع. قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان (١) الملك عابداً له، وقيل يحتمل أنه كان يدعي الإلهية فدعا الناس إلى عبادته فأطاعوه، وتقديم الظرف لرعاية الفواصل والجملة حالية
_________
(١) دانه أطاعه، فهو يتعدى ويلزم. " المطيعي ".
(فكذبوهما) أي فأصروا على تكذيبهما (فكانوا من المهلكين) بالغرق في البحر. ثم حكى سبحانه ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم فقال:
(ولقد آتينا موسى الكتاب) يعني التوراة، وخص موسى بالذكر لأن التوراة أنزلت عليه في الطور، وكان هارون خليفته في قومه (لعلهم) أي لعل قوم موسى (يهتدون) بها إلى الحق ويعملون بما فيها من الشرائع، فجعل سبحانه إيتاء موسى إياها إيتاء لقومه، لأنها وإن كانت منزلة على موسى فهي لإرشاد قومه. وقيل المعنى آتينا قوم موسى الكتاب.
وقيل ضمير (لعلهم) يرجع إلى فرعون وملته، وهو وَهْمٌ، لأن


الصفحة التالية
Icon