العقائد، إذ هي التي اتحدت في كل الشرائع، أما الأحكام الفرعية فقد اختلفت باختلاف الشرائع، وقيل المعنى أن هذا الذي تقدم ذكره هو دينكم وملتكم فالزموه. على أن المراد بالأمة هنا الدين كما في قوله: (إنا وجدنا آباءنا على أمة).
وقال الخليل: أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به. قال الفراء: " واعلموا أن هذه أمتكم " وقال سيبويه " فاتقون لأن أمتكم أمة واحدة " وإنما أشير إليها بـ (هذه) هذه للتنبيه على كمال ظهور أمرها في الصحة والسداد وانتظامها بسبب ذلك في سلك الأمور المشاهدة، والفاء في (وأنا ربكم فاتقون) لترتيب الأمر بالتقوى على ما قبله من كونه ربكم المختص بالربوبية، أي لا تفعلوا ما يوجب العقوبة عليكم مني بأن تشركوا بي غيري، أو تخالفوا ما أمرتكم به أو نهيتكم عنه: ثم ذكر سبحانه ما وقع من الأمم من مخالفتهم لما أمرهم به الرسل فقال:
(فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً) الفاء لترتيب عصيانهم على ما سبق من الأمر بالتقوى، والضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ الأمة. والمعنى أنهم جعلوا دينهم مع اتحاده قطعاً متفرقة وأدياناً مختلفة. قال المبرد: زبراً فرقاً وقطعاً مختلفة، وأحدها زبور؛ وهي الفرقة والطائفة، ومثله الزبرة وجمعها زبر بالضم والفتح قيل معنى زبراً كتباً، فوصف سبحانه الأمم بأنهم اختلفوا، فاتبعت فرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل؛ ثم حرفوا وبدلوا، وفرقة مشركة اتبعوا ما رسمه لهم آباؤهم من الضلال، قرئ زبراً بضم الباء؛ وقرئ بفتحها؛ أي قطعاً كقطع الحديد (كل حزب بما لديهم فرحون) أي كل فريق من هؤلاء المختلفين بما عندهم من الدين معجبون مسرورون، لاعتقادهم أنهم على الحق.
(فذرهم في غمرتهم) أي اتركهم في جهلهم فليسوا بأهل للهداية ولا


الصفحة التالية
Icon