ذلك، بل هم لا يشعرون بشيء أصلاً كالبهائم التي لا تفهم ولا تعقل، فإن ما خوّلناهم من النعم وأمددناهم به من الخيرات، إنما هو استدراج لهم واستجرار إلى زيادة الإثم ليزدادوا إثماً، كما قال سبحانه (إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات، ولما نفى سبحانه الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبع ذلك بذكر من هو أهل للخيرات عاجلاً وآجلاً فوصفهم بصفات أربع.
الأولى قوله:
(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) الإشفاق الخوف تقول أنا مشفق من هذا الأمر أي خائف، قيل الاشفاق هو الخشية فظاهر ما في الآية هو التكرار، وأجيب بحمل الخشية على العذاب أي من عذاب ربهم خائفون ولو من غير فعل خطيئة، وبه قال الكلبي ومقاتل، وأجيب أيضاً بحمل الاشفاق على ما هو أثر له وهو الدوام على الطاعة أي دائمون على طاعته وأجيب أيضاً بأن الاشفاق كمال الخوف فلا تكرار، وقيل هو تكرير للتأكيد كما أشار إليه في التقرير وفيه نظر.
والصفة الثانية قوله:
(والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) قيل المراد بالآيات هي التنزيلية، وقيل هي التكوينية؛ وقيل مجموعهما، قيل وليس المراد بالإيمان بها هو التصديق بوجودها فقط، فإن ذلك معلوم بالضرورة ولا يوجب المدح؛ بل المراد التصديق بكونها دلائل وأن مدلولها حق.
والصفة الثالثة قوله:
(والذين هم بربهم لا يشركون) معه غيره أي يتركون الشرك تركاً كلياً ظاهراً وباطناً.
والصفة الرابعة قوله:
(والذين يؤتون) أي يعطون (ما آتوا) أي ما أعطوا (وقلوبهم وجلة) أي خائفة أشد الخوف من أجل ذلك الإعطاء يظنون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله، والجملة حالية.


الصفحة التالية
Icon