التكليف بما فوق الوسع، والمراد بالكتاب صحائف الأعمال أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هي عليه، يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص، ومثله قوله سبحانه (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) وفي هذا تهديد للعصاة، وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم، وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، فإنه قد كتب فيه كل شيء، وقيل المراد القرآن، والأول أولى، وفي هذه الآية تشبيه للكتاب ممن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه، فإن الكتاب يعرب عما فيه؛ كما يعرب الناطق المحق..
والمعنى ينطق متلبساً بالحق، وجملة (وهم لا يظلمون) مبينة لما قبلها من تفضله تعالى وعدله في جزاء عباده أي النفوس العاملة لا يظلمون شيئاً منها بنقص ثواب أو بزيادة عقاب، ومثله قوله سبحانه: (ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) والجمع باعتبار عموم النفس لوقوعها في سياق النفي ثم أضرب سبحانه عن هذا فقال:
(بل قلوبهم في غمرة) أي بل قلوب الكفار في غمرة غامرة لها (من هذا) الكتاب الذي ينطق بالحق أو عن الأمر الذي عليه المؤمنون يقال غمره الماء إذا غطاه، ونهر غمر يغطّي من دخله، والمراد بها هنا الغطاء والغفلة أو الحيرة والعمى والجهالة، قال ابن عباس: يعني بالغمرة الكفر والشك.
(ولهم) أي للكفار (أعمال من دون ذلك) قال ابن عباس: يقول أعمال سيئة دون الشرك منها إقامة إمائهم في الزنا، وقال قتادة ومجاهد: أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها من دون الحق.
وقال الحسن وابن زيد: لهم أعمال سيئة لم يعملوها من دون ما هم عليه لا بد أن يعملوها فيدخلون النار، والمراد بال (دون) الغير أي الضد


الصفحة التالية
Icon