المعنى فاسئل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس.
(قال إن لبثتم إلا قليلاً) قرئ على الخبر وقرئ قل كما في الآية الأولى، وقد تقدم توجيه القراءتين أي ما لبثتم في الأرض إلا زمناً قليلاً أو لبثاً قليلاً، قال تعالى ذلك بلسان مالك تصديقاً لهم وتقريعاً وتوبيخاً (لو أنكم كنتم تعلمون) شيئاً من العلم، والجواب محذوف أي لعلمتم اليوم قلة فيكم في الأرض، أو في القبور أو فيهما فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم في النار، ثم زاد في توبيخهم على تماديهم في الغفلة، وتركهم النظر الصحيح فيما يدل على حقية البعث والقيامة فقال:
(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً) لا لحكمة، والهمزة للتوبيخ والتقرير والفاء للعطف على مقدر أي ألم تعلموا شيأ فحسبتم أو أغفلتم وتلاهيتم وتعاميتم فحسبتم والمعنى عابثين أو لأجل العبث، قال بالأول سيبويه وقطرب وبالثاني أبو عبيدة، والعبث في اللغة اللعب وما لا فائدة فيه، يقال: عبث يعبث عبثاً، فهو عابث أي لاعب وأصله من قولهم: عبثت الأقط أي خلطته، والمعنى أفحسبتم أنا خلقناكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب.
(وأنكم إلينا لا ترجعون) بالبعث والنشور فيجازيكم بأعمالكم؛ قرئ ترجعون مبنياً للفاعل وللمفعول، وقدم إلينا على الفعل لأجل الفواصل، ثم نزه سبحانه نفسه فقال:
(فتعالى الله) أي تنزه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئاً عبثاً أو عن جميع ذلك وهو (الملك) الذي يحق له الملك على الإطلاق إيجاداً وإعداماً بدءاً وإعادة وإحياء وإماتة وعقاباً وإثابة، وكل ما سواه مملوك له بالذات مقهور لملكوته مالك بالعرض من وجه دون وجه وفي حال دون حال


الصفحة التالية
Icon