(وفرضناها) قرئ بالتخفيف والتشديد، ومعنى المشدد قطعناها في الإنزال نجماً نجماً، والفرض القطع والتشديد للتكثير أو للمبالغة أو لتأكيد الإيجاب أو لكثرة الفرائض فيها كالزنا والقذف اللعان والاستئذان وغض البصر وغير ذلك.
ومعنى المخفف أوحيناها وجعلناها مقطوعة، وقيل ألزمناكم العمل بها وقيل قدرنا ما فيها من الحدود والفرض التقدير، ومنه أن الذي فرض عليك القرآن، وقيل بيناها قاله ابن عباس، وقيل أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجاباً قطعياً وفيه من الإيذان بغاية وكادة الفرضية ما لا يخفى.
(وأنزلنا فيها آيات بينات) أي أنزلنا في غصونها وتضاعيفها آيات واضحة الدلالة على مدلولها وتكرير (أنزلنا) لكمال العناية بإنزال هذه السورة وشأنها لما اشتملت عليه من الأحكام المفروضة.
قال الرازي: ذكر الله في أول السورة أنواعاً من الأحكام والحدود، وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله: (فرضناها) إشارة إلى الأحكام وقوله هذا إلى ما بين فيها من دلائل التوحيد ويؤيده قوله:
(لعلكم تذكرون) فإن الأحكام لم تكن معلومة حتى نؤمر بتذكرها، أما دلائل التوحيد، فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها، فأمروا بتذكرها، قيل والمعنى تتعظون.
وقيل قوله:
(الزانية والزاني) تفصيل ما أجمل من الآيات البينات، والزنا هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح وقيل هو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً محرم شرعاً و (الزانية) هي المرأة المطاوعة للزنا، الممكنة منه، كما تنبئ عنه الصيغة المكرهة، وكذلك (الزاني) وتقديم الزانية على الزاني لأنها الأصل في الفعل لكون الداعية فيها أوفر، ولولا تمكينها منه لم يقع، قاله أبو السعود؛ إنما قدمت المرأة هنا وأخرت في آية حد السرقة لأن الزنا إنما يتولد بشهوة الوقاع، وهي في المرأة أقوى وأكثر،


الصفحة التالية
Icon