منكم) قال النحاس: وهذا القول عليه أكثر العلماء، والسابع أن هذا الحكم مؤسس على الغالب العام، والمعنى أن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله، وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن. قال الكرخي: إن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح المرأة الصالحة، وإنما يرغب في نكاح فاسقة مثله أو في مشركة؛ والفاسقة لا ترغب في نكاح الرجل الصالح بل تنفر عنه، وإنما ترغب فيمن هو من جنسها من الفسقة والمشركين، فهذا على الأعم الأغلب، كما يقال: لا يفعل الخير إلا الرجل التقي، وقد يفعل الخير من ليس بتقي، فكذا هاهنا والفرق بين قوله: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) وقوله: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) أن الكلام يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية بخلاف الزانية فقد ترغب في نكاح غير الزاني؛ فلا جرم بين ذلك بالكلام الثاني، والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا، وهذا أرجح الأقوال، وسبب النزول يشهد له كما تقدم.
وعن شعبة مولى ابن عباس قال: " كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال: إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله عليّ، وقد رزقني الله منها توبة فأردت أن أتزوجها فقال الناس: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) فقال ابن عباس: ليس هذا موضع هذه الآية، إنّها كن نساء بغايا متعاليات، يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس، يعرفن بذلك، فأنزل الله هذه الآية. تزوجها فما كان فيها من إثم فعليّ.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله " أخرجه أبو داود وابن المنذر والحاكم وابن أبي حاتم وغيرهم (١). وعن علي أن رجلاً تزوج امرأة ثم إنه زنى
_________
(١) أبو داوود كتاب النكاح باب ٤ - الإمام أحمد ٢/ ٣٢٤.