هذه العادة ويتصون عنها، وقدمت الزانية على الزاني أولاً ثم قدم عليها ثانياً، لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية، لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً في ذلك بدئ بذكرها. وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الخاطب ومنه بدئ الطلب.
(والذين يرمون) استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة الخاصة قذفاً، أي يشتمون (المحصنات) أي النساء العفيفات بالزنا، وكذا المحصنين، وإنما خصهن بالذكر لأن قذفهن أشنع، والعار فيهن أعظم، ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة، وقد جمع الشوكاني في ذلك رسالة رد بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك.
وقيل إن الآية تعم الرجال والنساء، والتقدير الأنفس المحصنات، ويؤيد هذا قوله في آية أخرى: (والمحصنات من النساء)، فإن البيان بكونهن من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء وإلا لم يكن للبيان كثير معنى؛ وقيل أراد بالمحصنات الفروج؛ كما قال: (والتي أحصنت فرجها)، فتتناول الآية الرجال والنساء؛ وقيل إن لفظ المحصنات وإن كان للنساء لكنه هاهنا يشمل النساء والرجال تغليباً، وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب، وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان وما يحتمله من المعاني؛ وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطولة مستوفاة في كتب الفقه، منها ما هو مأخوذ من دليل ومنها ما هو مجرد رأي بحت.
قرئ المحصنات بفتح الصاد وكسرها، وذهب الجمهور من العلماء أنه لا حد على من قذف كافراً أو كافرة. وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى: يجب عليه الحد. وذهب الجمهور أيضاً إلى أن العبد يجلد أربعين جلدة.