هذا كذب عظيم لكونه قيل في أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وصدوره مستحيل شرعاً من مثلها، ثم وعظ سبحانه الذين خاضوا في الإفك فقال:
(يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً) أي ينصحكم أو يحرج الله عليكم، قاله ابن عباس أو يحرم عليكم أو ينهاكم كراهة أن تعودوا أو من أن تعودوا أو في أن تعودوا لمثل هذا القذف؛ أو استماع حديثه مدة حياتكم (إن كنتم مؤمنين) عائد إلى جميع الجمل التي قبله وتارة إلى بعضها لا تقوم به حجة ولا يصلح للاستدلال فإنه قد يكون ذلك لدليل، كما وقع هنا من الإجماع واتفاق الأئمة الأربعة على عدم رجوع هذا الاستثناء إلى جملة الجلد، فالقاذف يجلد عند الجميع سواء تاب أو لم يتب ومما يؤيد ما قررناه ويقويه أن المانع عن قبول الشهادة وهو الفسق المتسبب عن القذف قد زال فلم يبق ما يوجب الرد للشهادة.
واختلف العلماء في صورة توبة القاذف، فقال عمر بن الخطاب والشعبي والضحاك وأهل المدينة: إن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي وقع منه، وأقيم عليه الحد بسببه، وقالت فرقة منهم مالك وغيره: إن توبته تكون بأن يحسن حاله ويصلح عمله ويندم على ما فرط منه ويستغفر الله من ذلك ويعزم على ترك العود إلى مثله وإن لم يكذب نفسه ولا رجع عن قوله، وقد أجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الذنب ولو كان كفراً فتمحو ما هو دون الكفر بالأولى وحكى هذا الإجماع القرطبي.
قال أبو عبيد: الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة وليس من رمي غيره بالزنا بأعظم جرماً من مرتكب الزنا، والزاني إذا تاب قبلت شهادته لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن، منها قوله (إنما جزاء الذين يحاربون الله) إلى قوله:
(إلا الذين تابوا) ولا


الصفحة التالية
Icon