تخطر ببالهن ولا يفطن لها، وفي ذلك من الدلائل على كمال النزاهة، وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات، وقيل: هنّ السليمات الصدور، النقيات القلوب، اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر، لأنهن لم يجربن الأمور، ولم يرزن الأحوال فلا يفطن لما تفطن له المجربات العرافات، وكذلك البله من الرجال الذين غلبت عليهم سلامة الصدور، وحسن الظن بالناس، لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها، وأقبلوا على آخرتهم فشغلوا نفوسهم بها.
(المؤمنات) بالله ورسوله، وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة، فقال سعيد بن جبير: هي خاصة فيمن رمى عائشة، وقال مقاتل: هي خاصة بعبد الله بن أُبي، رأس المنافقين وقال الضحاك، والكلبي: هي في عائشة وسائر أزواج النبي - ﷺ - دون سائر المؤمنين والمؤمنات، فمن قذف إحدى أمهات المؤمنين فهو من أهل هذه الآية. قال الضحاك: ومن أحكام هذه الآية، أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه - ﷺ -، ومن قذف غيرهن فقد جعل الله له التوبة، كما تقدم في قوله (إلا الذين تابوا)، وقيل إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف، ولم يتب، وقيل إنها خاصة بمشركي مكة، لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إِنما خرجت لتفجر.
وقيل إنها تعمّ كل قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين، واختاره
النحاس وهو الموافق لما قرره أهل الأصول، من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا
بخصوص السبب. قال أهل العلم: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة في قوله: (لعنوا في الدنيا والآخرة) الإبعاد عن الثناء الحسن على ألسنة أهل الإيمان، وضرب الحد، وهجر سائر المؤمنين لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، واستيحاش أهل الإيمان منهم، وإن كان المراد بها ْمن قذف عائشة خاصة. كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين، وإن كانت في مشركي مكة، فإنهم ملعونون في الدنيا والآخرة.