عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية، فليس مثل كعب رحمه الله، ممن يقتدي به في مثل ذلك، وقد نبهناك -فيما سبق- أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب -كما يقع ذلك كثيراً- فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي، نعم، إن صحت قراءة أُبيّ بن كعب، كانت هي المستندة لهذه التفاسير المخالفة للظاهر، وتكون كالزيادة المبينة للمراد، وإن لم تصح، فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة، وغيرهم، ممن قبلهم، وممن بعدهم هو المتعين.
(يهدي الله لنوره) هداية خاصة، موصلة إلى المطلوب، وليس المراد بالهداية هنا مجرد الدلالة قال ابن عباس: لنوره لدين الإسلام، وهو نور البصيرة (من يشاء) من عباده لأن الأسباب دون مشيئته لاغية إذ بها تمامها (ويضرب الله الأمثال للناس) أي يبين الأشياء بأشباهها ونظائرها، تقريباً لها إلى الأفهام، وتسهيلاً لإدراكها، لأن إبراز المعقول في هيئة المحسوس وتصويره بصورته يزيده وضوحاً وبياناً.
(والله بكل شيء عليم) لا يغيب عنه شيء من الأشياء معقولاً، كان أو محسوساً، ظاهراً كان، أو باطناً. ومنه ضرب الأمثال.
(في بيوت) أي: ذلك المصباح يوقد في بيوت، وقيل: متعلق بما قبله، أي كمشكاة في بعض بيوت الله، وهي المساجد، كأنه قيل: مثل نوره كما يرى في المسجد نور المشكاة من صفتها كيت وكيت، وقيل: صفة لزجاجة. وقال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس يقول: هو حال للمصباح، والزجاجة، والكوكب، كأنه قيل: وهي في بيوت، وعلى هذه الأقوال لا يوقف على (عليم) وقيل: متعلق بما بعده، وهو يسبح الآتي، أي: يسبح رجال في بيوت، وعلى هذا يكون قولها فيها؛ تكريراً للتوكيد، والتذكير، والإيذان بأن التقديم للاهتمام، لا لقصر التسبيح على الوقوع في البيوت فقط.