وقيل: ليس في القرآن ما يدل على عدم المشي على أكثر من أربع لأنه لم ينف ذلك، ولا جاء بما يقتضي الحصر، وفي مصحف أبيّ: ومنهم من يمشي على أكثر، فعم بهذه الزيادة جميع ما يمشي على أكثر من أربع، كالسرطان، والعناكب، والحيوان المعروف بأم أربع وأربعين، وكثير من خشاش الأرض كالعقارب. وقيل: إنما لم يتعرض لهذا القسم لدخوله في قوله:
(يخلق الله ما يشاء) أي: مما ذكر هنا، ومما لم يذكره، كالجمادات مركبها وبسيطها، ناميها وغير ناميها، على اختلاف الصور والأعضاء، والهيئات، والحركات، والطبائع، والقوى، والأفعال، مع اتحاد العنصر بمقتضى مشيئته (إن الله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء، ولا يمنعه مانع، بل الكل من مخلوقاته، داخل تحت قدرته سبحانه.
(لقد أنزلنا آيات مبينات) بكسر الياء وفتحها سبعيتان وكذلك في كل ما جاء في هذا الجمع في القرآن، والمراد بها القرآن، فإنه قد اشتمل على بيان كل شيء، ما فرطنا في الكتاب من شيء، وفيه التفات قد تقدم مثل هذا في غير موضع (والله يهدي من يشاء) بتوفيقه للنظر الصحيح وإرشاده إلى التأمل الصادق (إلى صراط مستقيم) أي طريق مستو لا عوج فيه، فيتوصل بذلك إلى الخير التام، وهو نعيم الجنة، ثم شرع سبحانه في بيان أحوال من لم تحصل له الهداية إلى الصراط المستقيم فقال:
(ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا) وهؤلاء هم المنافقون، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فإنهم كما حكى الله عنهم هاهنا، ينسبون إلى أنفسهم الإيمان بالله وبالرسول، والطاعة لله ولرسوله نسبة بمجرد اللسان لا عن اعتقاد صحيح. وعن قتادة قال: أناس من المنافقين أظهروا الإيمان والطاعة، وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله وطاعته وجهاده مع رسوله.