البعد أن يتفقوا على ما هو باطل وليس في إسناده عند ابن أبي حاتم كذاب ولا وضاع ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - ﷺ - " فمن دعي إلى سلطان فلم يجب فهو ظالم لا حق له " انتهى، ولا يخفاك أن قضاة العدل، وحكام الشرع الذين هم على الصفة التي قدمنا لك قريباً. هم سلاطين الدين المترجمون عن الكتاب والسنة، المبينون للناس ما نزل إليهم. ثم لما ذكر ما كان عليه أهل النفاق، أتبعه بما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله، فقال:
(إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله) أي: إلى كتاب الله العزيز وسنة رسوله المطهرة (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي هذا القول، لا قولاً آخر، وهذا وإن كان على طريقة الخبر، فليس المراد به ذلك، بل المراد به تعليم الأدب الشرعي عند هذه الدعوة من أحد المتخاصمين للآخر، والمعنى أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا، إذا سمعوا الدعاء المذكور، قابلوه بالطاعة والإذعان والإجابة. قال مقاتل وغيره: يقولون: سمعنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأطعنا أمره، وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم.
وقد قدمنا الكلام على الدعوة إلى الله ورسوله للحكم بين المتخاصمين،
وذكرنا من تجب الإجابة إليه من القضاة، ومن لا تجب، وهذه الآية على
إيجازها حاوية لكل ما ينبغي للمؤمنين أن يفعلوه. ثم أثنى سبحانه عليهم
بقوله:
(وأولئك) المؤمنون الذين قالوا هذا القول (هم المفلحون) أي: الناجون الفائزون بخيري الدنيا والآخرة، ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر فقال:
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ) هذه الجملة مقررة لما قبلها، من حسن حال المؤمنين، وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة لهم في طاعة الله ورسوله، في كتابه وسنته والخشية من الله عز وجل فيما مضى والتقوى له فيما يستقبل وفي (وَيَتَّقْهِ) قراءات من الجزم والكسر.