بل على أن الثاني هو عين الأول حقيقة، وإنما الترتب بحسب التغاير الاعتباري و (قد) لتحقيق ما جاؤوا به من الظلم والزور، وانتصاب (ظلماً) جاؤوا فإن (قد) لتحقيق ما جاؤوا به من الظلم والزور، وانتصاب (ظلماً) بجاؤوا فإن جاء قد تستعمل استعمال أتى، وتعدى تعديته، وقال الزجاج: الأصل جاؤوا بظلم، وقيل على الحال، وإنما كان ذلك منهم ظلماً لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه. فقد وضعوا الشيء في غير موضعه، وهذا هو الظلم.
وقيل هو جعل الكلام المعجز إفكاً مختلقاً متلفقاً من اليهود، وأما كون ذلك منهم زوراً فظاهر لأنهم قد كذبوا في هذه المقالة، ثم ذكر الشبهه الثانية فقال:
(وقالوا أساطير الأولين) أي أحاديثهم، وما سطروه من الأخبار مثل خبر رستم وإسفنديار. قال الزجاج: واحد الأساطير أسطورة، مثل أحاديث وأحدوثة، وقال غيره: جمع أسطار، مثل أقاويل وأقوال (اكتتبها) أي استكتبها أو كتبها لنفسه، أو المعنى جمعها من الكتب، وهو الجمع لأمر الكتابة بالقلم، والأول أولى. ومحل اكتتبها النصب على الحال، أو الرفع على أنه خبر ثان. وقرئ اكتتبها مبنياً للمفعول والمعنى اكتتبها له كاتب، لأنه كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ.
(فهي تملى عليه) أي تلقى عليه تلك الأساطير بعد ما اكتتبها ليحفظها من أفواه من يمليها عليه من ذلك المكتتب. لكونه أمياً لا يقدر على أن يقرأها من ذلك المكتوب بنفسه. أو المعنى أراد اكتتابها فهي تملي عليه لأنه يقال أمليت عليه فهو يكتب (بكرة وأصيلاً) أي غدوة وعشياً، كأنهم قالوا: إن هؤلاء يعلمون محمداً - ﷺ -، طرفي النهار، وقيل معنى بكرة وأصيلاً دائماً في جميع الأوقات فأجاب الله سبحانه عن هذه الشبهة بقوله:


الصفحة التالية
Icon