قومه، أو هو حكاية لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا: (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن) الذي جئت به إليهم وأمرتني بإبلاغه وأرسلتني به (مهجوراً) أي: متروكاً، لم يؤمنوا به، ولا قبلوه بوجه من الوجوه أو لم يعملوا به. وقيل من هجر إذا هذي، والمعنى أنهم اتخذوه هجراً وهذياناً. وقيل: المعنى مهجوراً فيه، وهجرهم فيه قولهم: إنه سحر، وشعر،
وأساطير الأولين.
(وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين) هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: أن الله جعل لكل نبي من الأنبياء الداعين إلى الله عدواً يعاديه من مجرمي قومه فلا تجزع يا محمد، فإن هذا دأب الأنبياء قبلك، واصبر كما صبروا. قال ابن عباس في الآية: كان عدو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى (وكفى بربك) الباء زائدة (هادياً) يهدي عباده إلى مصالح الدين والدنيا (ونصيراً) ينصرهم على الأعداء.
(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة)؟ هذا من جملة اقتراحاتهم وتعنتاتهم، أي: هَلاَّ أنزل الله عليه الكتاب دفعة واحدة غير منجم، كما أنزلت التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود عليهم السلام. واختلف في قائل هذه المقالة، فقيل كفار قريش، وقيل اليهود قالوا: هَلاَّ أتيتنا بالقرآن جملة واحدة؟ وهذا زعم باطل، ودعوى داحضة، فإن هذه الكتب نزلت مفرقة كما نزل القرآن، ولكنهم معاندون، أو جاهلون لا يدرون بكيفية نزول كتب الله سبحانه على أنبيائه، واعتراض منهم لا طائل تحته، لأن الإعجاز لا يختلف بنزوله جملة أو متفرقاً، مع أن للتفريق فوائد، منها أن نزوله بحسب الوقائع، يوجب مزيد بصيرة وغوص على المعنى ولأنه إذا نزل منجماً وهو يتحدى بكل نجم فيعجزون عن معارضته زاد ذلك في قوة


الصفحة التالية
Icon